دراسات في بيئة وفسلجة وتربية النبات لتحمل الجفاف
الدكتور ضياء بطرس يوسف
دراسة توثيقية مقدمة الى مركز تربية وتحسين النبات، دائرة البحوث الزراعية، وزارة العلوم والتكنولوجيا
بغداد، جمهورية العراق/2016
dpyousif@yahoo.com
فسلجة الشد Stress Physiology
نادرا ما تتوفر الظروف البيئية المثلى للنبات، من الماء والهواء والعناصر الغذائية، بل غالبا ما يحصل الشد الناجم اما عن الجهد المائي الشديد، بسبب نقص رطوبة التربة، او الحرارة او الملوحة او السمية ببعض العناصر او عوامل اخرى عديدة ربما تدفع بالكائنات الحية الى محدودية البقاء. ان دراسة النبات تحت مثل هذه الظروف قد عرف بانه “فسلجة الشد Stress Physiology”، ويعد هذا مهما من ناحية فسلجة بيئة النبات لثلاثة اسباب هي:
1- غالبا ما تكون استجابة النبات للشد على اساس تغيير العمليات الحياتية والفسلجية، اذ ان دراسة حالات فسلجة الشد ستزودنا، في بعض جوانبها، باهمية معرفة الاليات الفسلجية الحاصلة بوجود الشد لا سيما التي تحصل تحت الظروف الاعتيادية.
2- ان دراسة فسلجة الشد في الجانب الزراعي ستساهم في زيادة فهم العوامل التي تحدد توزيع وانتشار النباتات والتغيرات الفعلية في العمليات الحياتية المختلفة خلال دورة النمو.
3- في الجانب الزراعي التطبيقي، فان قابلية المحاصيل في الحفاظ على البقاء وبالكثافة النباتية المطلوبة تحت ظروف الشد يعد عاملا رئيساً في تحديد الحاصل الاقتصادي.
فسلجة النباتات تحت ظروف الشد The physiology of plants under stress
ربما تكون الدراسات والمعرفة العلمية عن نمو النباتات تحت الظروف الطبيعية عديدة ومتنوعة، ولكننا في اتم الحاجة الى الاستزادة بالمعرفة العلمية التي تتحدث عن الظروف البيئية المتطرفة أي غير الاعتيادية والتي غالبا ما تكون ليست بالحسبان فتؤثر على بقاء النباتات وحيويتها وانتاجها، وخصوصا في ظل التغيرات المناخية المتكررة وظروف الاحتباس الحراري. فالاشجار والشجيرات في خطوط العرض المعتدلة شمال الكرة الارضية تتعرض الى انخفاض درجات الحرارة الشديد خلال الشتاء، ونباتات مناطق جبال الالب تتعرض الى البرد والرياح الجافة والمستويات العالية من الاشعة فوق البنفسجية، كما تتعرض له نباتات المحاصيل الزراعية خلال مرحلة من مراحل نموها وربما تكون طيلة فترة النمو، الى ظروف الجفاف او ارتفاع تركيز الاملاح في منطقة الجذور. وفي السنوات الاخيرة واجهنا مشكلة تلوث التربة والمياه والهواء نتيجة الاستخدامات الجائرة لموارد البيئة من قبل الانسان، مما زاد الطين بلة فاضاف عواملاً اخرى جديدة تؤدي كلها الى حدوث الشد الفسلجي خلال دورة حياة النبات. وكما اسلفنا بان حدوث الذروة في أي من المعالم البيئية سيخلق ظروف شد على النباتات والتي ربما يكون تاثيرها جوهريا في مسألة التطور الفسلجية اي رد الفعل وبالتالي البقاء.
على العموم، فان دراسة استجابة النبات للشد البيئي قد شكل قصب السبق والاهمية المركزية لمختصي فسلجة بيئة النبات ومختصي الفسلجة عموما وبيئة النبات، وكذلك مربي ومنتجي النبات. ومن الامثلة على ذلك، هو كيف تساعد استجابة النبات في شرح وتوضيح التوزيع الجغرافي وبالتالي الاداء سواءً في النمو او الانتاج على طول حالة التدرج البيئي؟. وبسبب ثبوت او عدم تفسير الشد سيؤدي بالنتيجة الى تقليل الانتاجية، فان استجابات الشد stress responses ستكون مهمة ايضاً بالنسبة لمختصي العلوم الزراعية. ان فهم الاستجابة للشد له من الاهمية التي لا توصف بالنسبة لمربي النبات الذين يرومون تربية واستنباط اصناف تقاوم الشد على اختلاف انواعه، سواءً كان الجفاف او الملوحة او ظروف محددات الحاصل الاخرى. وعليه، فانه بسبب ظروف الشد التي ينجم عنها خلخلة طبيعة النمو، فان مثل هذه الخلخلة ستضع مختصي فسلجة النبات وغيرهم على الطريق الذي يجعل في متناول ايديهم الادوات المفيدة لدراسة الاسس الفسلجية والتقنية الحياتية لحالة الشد التي يدرسونها.
وعليه، سنتناول في هذه الدراسة اختبار بعض مظاهر الشد مع التركيز على شد الجفاف من خلال مناقشة وعرض المواضيع التالية:-
– مظاهر الشد الحياتي وكيفية استجابة النبات لهذه الظروف.
– تاثير نقص الماء على نمو المجموع الخضري والجذري وطبيعة الضرر الحاصل تحت ظروف الشد المائي وكيفية استجابة النبات لنقص الماء من خلال تقليل التوصيل الثغري وخواص التعديل الاوزموزي في الخلايا.
– طبيعة التحدي الحاصل لانخفاض درجات الحرارة وقدرة النباتات العشبية والخشبية في منع حدوث الضرر نتيجة شد الحرارة الواطئة.
– تاثير شد ارتفاع درجات الحرارة على الاغشية الخلوية والعمليات الحياتية ورد الفعل الفسلجي بتخليق بروتينات الصدمة الحرارية.
– استجابة النباتات للبيئات التي تتصف بارتفاع مستوى الملوحة فيها وتعرضها للاصابة بمسببات الامراض والحشرات وحالات التلوث البيئي.
ما هو الشد ؟ What is stress
ليس من السهل تعريف الشد، كونه يتضمن تاثيرات مختلفة على الكائنات الحية او اعضائها. ان المصطلحات الفنية المستخدمة في توصيف الشد البيئي واستجابة النبات لها قد مثلت موضوع الجدل والخلاف لسنوات عديدة. وعليه، فان الشد يمثل مظهراً ميكانيكياً في الاساس وقد عرف علماء الهندسة وفسلجة النبات على انه الضغط المسلط على وحدة المساحة التي يقع عليها الشد. وفي جانب الاستجابة للشد، فقد تطور هو الاخر على انه الاثر Strain او التغيير في الابعاد. وعليه، فان العلاقة بين الشد – الاثر قد وصفت بامثلة ميكانيكية أي آلية ، مثل التمدد في الحزمة المرنة او التواء في قضيب معدني تحت ظروف ضغط معين. في الانظمة الميكانيكية، فان كل من الشد الذي ينجم عن تطبيق حالة معينة من الضغط، اما الاثر فينجم عنه هو الاخر تغيير في الابعاد قد تم استكشافه وقياسه.
اذن يفهم من ذلك بانه من الصعب جداً ان يعرف الشد بمفهومه الحياتي وغير الحياتي بشكل دقيق وتام، وربما يكون التعريف متخصص ودقيق طبقاً لحالة وطبيعة الشد. وعليه، فقد قام كل من Levitt (1972) و Turner و Kramer (1980) بوضع المصطلحات الفنية التي يمكن استخدمها بالنسبة للكائنات الحية، ولكن من الناحية العملية والتطبيقية، فان مظاهر الشد الحياتي تحتاج الى تضمينات للمعنى العام اكثر مما هي عليه. فعلى مستوى النظام البيئي وعلى سبيل المثال، فان أي مانع خارجي يحدد الانتاجية (ومنها تحصيل الكاربون في البناء الضوئي) مما يجعلها ادنى من القدرة الوراثية للنبات يعد حالة من حالات الشد (Grime، 1979). وربما يمثل هذا المثال خصوصية الحال في الجانب الزراعي، حيث ان النماذج الحسابية mathematical models يمكن ان تستخدم لتقدير القدرة الوراثية تحت ظروف البيئة المثالية، لذا فانه بدون التطبيقات العلمية العملية لتقدير القدرة الوراثية، يصبح من الصعب الجزم او الحكم عن تاثير الشد في مثل هذه الحالة. عند تقدير الشد البيئي، تظهر مشكلة اخرى من خلال التساؤل حول مدى استمرار التدرج البيئي بالتطرف، وما هو الحد الذي تحدث عنده حالة الشد؟. فالانواع النباتية تختلف فيما بينها بدرجة كبيرة من حيث الظروف البيئية المثالية التي تحتاجها للنمو والتطور وبالتالي، فان حساسيتها هي الاخرى لاي تغير في هذه الظروف البيئية متغيره هي الاخرى، وخصوصا عند حدوث التطرف الشديد في ظروف البيئة. على سبيل المثال، التغير في درجات الحرارة وجهد الماء او الملوحة. اي بمعنى في اي درجة من سلسلة درجات الحرارة او عند اي حد من الجهد المائي يحدث الشد؟ وفي هذا الخصوص، لاتوجد اجابة بسيطة ولايوجد نظام من المصطلحات الفنية المتفق عليها قد تم تثبيتها بين جميع العلماء المشتغلين في حقل فسلجة الشد (Jones و Jones،1989).
وعليه، فانه ربما يكون التعريف الاكثر فائدة وقبولا للشد الحياتي هو ذلك الذي يتحدث عن اختلاف الضغط او التاثير الذي يؤدي الى تثبيط اداء النظم الحياتية عن اداء دورها بشكل اعتيادي (Jones و Jones،1989). في الحقيقة، ان هذا التعريف لايخلو من القصور واثارة بعض الاستفسارات حول تفسير المفهوم، والدور الطبيعي او الاعتيادي لهذه النظم الحياتية، كونها تختلف في ادائها وحدوثها ومواصفاتها باختلاف الانواع النباتية وحتى الطرز البيئية ecotype.
اهم انواع الشد البيئي الذي تتعرض له النباتات.
1- ارتفاع درجات الحرارة heating
2- انخفاض درجات الحرارة freezing, chilling
3- زيادة الماء (التغدق flooding، نقص اوكسجين الانسجة anoxia).
4- نقص الماء (الجفاف drought ، انخفاض جهد الماء low water potential).
5- الملوحة Salinity
6- الاشعاع الضوئي المرئي وفوق البنفسجية Solar radiation
7- الكيميائي (المبيدات، العناصر الثقيلة، وملوثات الهواء).Chemical
8- الحياتي (المسببات المرضية pathogens والمنافسة competition). Biotic
يتضح تعريف الشد في معناه العام التاثيرات الضارة او الضرر الناتج عن الجهد الواقع على النبات، غير ان بعض مختصي فسلجة الشد يشعرون بان هذا التعريف ضيق ومقيد ايضا بسبب انه يثير التساؤلات حول آليات تطبع النبات التي تجعله قادرا على النمو في البيئة التي توصف بانها بيئة شد. وهنا ياتي التساؤل هل ان الشد هو دالة البيئة ام دالة الكائن الحي، وعلى سبيل المثال، هل يمكن تسمية البيئات شديدة التطرف مثل الصحارى والتندرا القطبية على انها بيئات شد بالنسبة للنباتات التي تنمو فيها بشكل طبيعي؟. وهل ان مثل هذه البيئات تمثل بيئات شد فقط لبعض الانواع النباتية وليست لغيرها؟. وعليه، فان المناقشة التي ستتم في هذه الدراسة ربما ستعطي بعض الاجابة على مثل هذه الاستفسارات.
استجابة النبات للشد Plant Responses to Stress
تستجيب النباتات للشد الواقع عليها بطرق عديدة، فبعض النباتات ربما تتهرب من تاثير الشد من خلال اكمال دورة نموها خلال فترة عدم وجود الشد او تاثيراته القليلة او انها قد تعاني بعض الضرر من تاثيراته ولامجال لها الا ان تعيش بوجوده من خلال تجنبه او مقاومته، فيقال انها متحملة للشد، فتعطي بعض الخسارة او الاختزال في النمو بصورة ليست جوهرية، فتتكيف معه نسبياً بمرور الزمن. ان احد الامثلة الواقعية والملموسة هو اختلاف انتاجية النبات او مساحة محددة مزروع بنفس الصنف من سنة لأخرى، فيعتقد البعض ان هذا الاختلاف بسبب ظرف بيئي معين، في الوقت الذي يفسره المختصون بان الاختلاف في الانتاجية لنفس التركيب الوراثي 0الصنف) انما هو حصيلة تداخل وتفاعل العوامل المؤثرة والمختلفة في نمو وفعاليات النبات الحياتية، اي بتعبير اخر فسلجة النبات المتأثرة بفسلجة الشد الحاصل خلال دورة نمو النبات.
اذن يفهم، بان النباتات تتضرر بالشد، اي حدوث خلل في اداء واحد او اكثر من العمليات الحياتية الضرورية لادامة النمو و/او الحياة. فاذا كان الشد متوسطاً ولفترة قصيرة، فربما يكون الضرر مؤقتا فيستعيد النبات وضعه الطبيعي بزوال الشد. اما اذا كان الشد الحاصل بدرجة كبيرة، فربما لايحصل استمرار النمو الخضري او التزهير مثلاً وبالتالي لاتتشكل البذور وفي النهاية لايمكن استمرار وبقاء النبات. ومثلما اسلفنا حول تهرب بعض النباتات من تاثير الشد بكافة اشكاله مثل الشد سريع الزوال ephemeral او الشد لفترة قصيرة short lived او نباتات الصحاري desert plants.
على سبيل المثال لا الحصر، عندما يحدث شد الجفاف بسبب نقص في مستوى رطوبة التربة او اي حالة من حالات الاجهاد المائي، هناك انواع من النباتات التي توصف بأنها سريعة الزوال ephemeral plants. وماذا عن النباتات السريعة الزوال؟.
هي تلك النباتات التي تنبت بذورها وتنمو وتزهر بسرعة كبيرة بعد موسم الامطار، وعليه فانها تكمل دورة حياتها خلال مرحلة كفاية الرطوبة فتكون البذور التي تدخل في مرحلة السكون قبل حلول موسم الجفاف. وبالمقابل، فان العديد من النباتات الحولية القطبية تكمل دورة حياتها سريعا خلال موسم الصيف القطبي القصير وتبقى طيلة فترة الشتاء بهيئة بذور ساكنة. وبالتالي فان مثل هذه النباتات التي لا تمر بشد الجفاف او انخفاض درجات الحرارة تعرف على انها نباتات متهربة من ظروف الشد. بخلاف ذلك، فان هناك الكثير من النباتات التي تقاوم ظروف الشد سواء كان ذلك بتجنب الشد او تحمله. فآليات تجنب الشد تقلل تأثيره على النبات برغم وجود تأثيره في البيئة التي يعيش فيها النبات. هناك عدة آليات تسلكها النباتات المقاومة للاجهاد المائي ومنها:
أ) النباتات التي تتهرب من شد الجفاف، فيكون نموها في فترة قصيرة، وغالبا ما تكون في فترة سقوط الامطار وتوفر كاف لماء التربة الجاهز.
ب) النباتات المتجنبة لفقدالماء، وهذا يأتي من خلال المحافظة على جهد ماء عال في الورقة او باستخلاص ماء اكثر من التربة او تسخير ماء التربة الجاهز بصورة بطيئة في المراحل المبكرة من عمر النبات او الجفاف.
ت) النباتات المتحملة لفقد الماء، اذ تستطيع هذه الانواع من النباتات المحافظة على الاستمرار بالتمثيل الضوئي، تى وان كان الجهد المائي للاوراق منخفضاً.
فنباتات الجت alfalfa الكبيرة على سبيل المثال تتصف بقابليتها على البقاء في ظروف الجفاف من خلال قدرتها على ارسال جذورها الى اعماق كبيرة لتصل الى الماء الارضي، فتزداد نسبة الجذر الى الساق، وبالتالي تضمن وجود ماء كافي لاكمال دورة حياتها برغم ظروف الجفاف في الوقت الذي تعاني النباتات ذات الجذور السطحية العمق من مخاطر الجفاف. وفي بعض النباتات المتحملة للجفاف، حيث تقوم جذورها النامية في التربة الجافة بزيادة انتاج سائل هلامي لزج حول الجذور (في منطقة الرايزوسفير) فتتكون حلقات من دقائق التربة تلتصق بصورة خفيفة بالجذور فترتبط الكيتونات نتيجة طبيعة السائل الهلامي الببتيدية اللزجة، ويقل نفوذهاوبالتالي تتم المحافظة على الايصالية المائية بين التربة والجذر (Drew, 1978). هناك نباتات اخرى لها اوراق سميكة تخزن الماء وبوجود طبقة من الكيوتكل السميك او وجود الزغب والتي تقلل جميعا من التبخر او انها تؤدي الى تحويرات تساعد في الاحتفاظ بالماء او انها تقلل من فقد الماء. في بعض النباتات الصبارية يحصل تمثيل ضوئي عالي بوساطة السيقان السميكة. في الوقت الذي تحورت فيه الاوراق الى اشواك كاسلوب دفاعي لتجنب الجفاف. من ذلك يفهم بان اغلب حالات تجنب الضرر الشديد الناجم عن الجفاف هي في الحقيقة ناجمة عن اجراء التعديلات او التحويرات المختلفة.
اما بالنسبة لموضوع تحمل شد الجفاف، فانه يتطلب من الكائن الحي او الجزء الذي يقع عليه الشد ان يقوم باجراء موازنة للديناميكية الحرارية مع شد الجفاف. اي بمعنى وجوب اجراء موازنة للظروف الداخلية (داخل النبات) مع الظروف الخارجية (البيئية) المحيطة. وعليه، فان تحمل الجفاف يتطلب على سبيل المثال ان يبقى الكائن الحي في حالة تعديل البروتوبلازم بالشكل الذي يؤمن عدم حدوث ضرر فيه مع الاحتفاظ بقابلية النمو الطبيعي والتطور عندما يحصل التميؤ rehydrate ثانية، اي تعود الظروف الى طبيعتها من حيث وفرة الماء. ومن الامثلة الواقعية على تحمل شد الجفاف هي مجموعة الاشنات والنباتات الزهرية (اكثر من 100 نوع نباتي معروف) والتي تم جمعها وعرفت على انها نباتات انبعاث الحياة resurrection plants (Gaff،2000). فبينما تكون الاجزاء الخضرية في اغلب النباتات غير متحملة او متوسطة التحمل للجفاف dehydrate، فان الاجزاء الخضراء لنباتات الانبعاث الحياتي تبقى جافة هوائيا الى الحد الذي يكون محتواها من الرطوبة اقل من 7% دون حدوث الضرر الحياتي فيها.
في هذا المجال، لابد من شرح وتوضيح مصطلحين متداولين بكثرة هما التطبع adaptation والتأقلم Acclimation، فكلا المصطلحين يؤشران حالة التحمل لشد معين. ان مصطلح التطبع يعود الى التحويرات الوراثية في التركيب والوظائف بما يزيد قدرة الكائن الحي في الملائمة fitness والبقاء تحت ظروف الشد البيئي. ان التحويرات المظهرية والفسلجية التي تتم بمساعدة حامض crassulacean في العمليات الحياتية (CAM) في النبات هو مثال التطبع. اما بالنسبة للتأقلمAcclimation ، فهو يمثل حالة تحوير فسلجي غير متوارث يحدث خلال دورة حياة الكائن الحي. ان مثل هذه التحويرات تحصل من خلال التعريض التدريجي لظرف الشد ومثلها التعريض لدرجات الحرارة الواطئة او اقلمة النبيتات المتحصل عليها من الزراعة النسيجية باسلوب تدريجي لتقسية الظروف البيئية (الحرارة، الرطوبة والاضاءة) بغية نقلها الى الحقل او الظلة الخشبية، وبخلاف ذلك فان الكائن الحي لايستطيع المطاولة والبقاء والاستمرار تحت ظروف الشد البيئي. ان القدرة على التطبع هي صفة وراثية، ولكن التغييرات الدقيقة او الخاصة التي تتم في الكائن الحي نتيجة تأقلمه سوف لن تنتقل الى ذريته وعليه فانها صفة ليست موروثة. ان قدرة البناتات ثنائية الحول والطرز الشتوية لمحاصيل الحبوب على البقاء خلال الشتاء خير مثال على حالة التأقلم لظروف انخفاض درجات الحرارة. وعليه، يصطلح على النباتات التي تتم اقلمتها لظرف شد معين مصطلح التقسية hardening وان النباتات المتأقلمة تسمى مقساة hardy ومثالها النباتات المقساة للانجماد والنباتات المقساة للجفاف.
واخيرا نجد مصطلح strategy المستخدم غالبا في توصيف حالة نجاح استجابة النبات لشد ما، حيث يستخدمه بعض مختصي فسلجة النبات في حالة تضمين خطة معينة لتحقيق غاية محددة، وهذا بحسب ما وصفه Jones و Jones (1989) بانها اي الستراتيجية التي تثبت صحة التوصيف الوراثي المبرمج لسلسة من الاستجابات التي تجعل الكائن الحي قادراً على البقاء والاستمرار في ظروف معينة.
اولا: الشد المائي Water Stress
يمثل الشد الناجم عن نقص الماء (الشد المائي او شد الجفاف) التهديد المستمر والمتواصل لبقاء النبات فالعديد من النباتات التي يحصل فيها تحوير مظهري او فسلجي قد لاتستطيع الاستمرار والبقاء في البيئة التي تعيش فيها بسبب الشد المائي الواقع عليها او انخفاض محتوى رطوبة التربة. وهذا بطبيعة الحال يرتبط بالظروف الجوية السائدة (قلة الامطار وارتفاع درجة الحرارة وزيادة سرعة الرياح وانخفاض الرطوبة النسبية في الجو…الخ)، فيعرَف جفاف التربة بانه النقص في ماء التربة اللازم الى الحد الذي تقل فيه جاهزيته للنبات (اي العتبة التي لا يستطيع النبات عندها امتصاص او استنزاف الماء بالسرعة التي تلبي متطلباته للقيام بالفعاليات الحيوية ولا يحدث التمثيل الضوئي الذي يلبي متطلبات التبخر – النتح evapotranspiration. وبالمقابل، ربما يكون الشد المائي نتيجة زيادة الماء. ومن الامثلة على الشد نتيجة زيادة الماء هو التغدق flooding الذي ينجم عنه الاختناق نتيجة انخفاض تركيز الاوكسجين المجهز للجذور والذي سيؤدي بدوره الى اعاقة التنفس. على العموم، فان الشد نتيجة نقص الماء هو الاكثر شيوعا، مما حدا بالمختصين الى تسميته “شد نقص الماء water deficit stress. وبسبب ان شد الماء يحصل في البيئات الطبيعية نتيجة انحباس الامطار، فان مثل هذه الظروف تعرف على انها ظروف الجفاف وبالتالي يصطلح عليه شد الجفاف drought stress (الشكل1). في ظروف المختبر، يمكن تحقيق ظروف الشد المائي من خلال فقد الماء بالنتح من الاوراق وهو ظرف يعود الى ما يصطلح عليه بتعديل الشد او شد التجفيف desiccation stress. اي بمعنى ان الشد المائي هو احد مكوني الشد الملحي والشد الاوزموزي، ولاجل توحيد هذه الاختلافات وفق مفهوم الشد المائي فانه يصطلح مفهوم الجهد المائي الواطيء low water potential
الاغشية والشد المائي Membrane and Water Stress
ان الضرر الناتج عن تاثير الشد المائي يرتبط بتاثيرات محددة تتعلق بتعديل (تغيرحالة) البروتوبلازم. ان ازالة الماء اي سحب الماء، على سبيل المثال، يؤدي الى زيادة تركيز الذوائب وفق حجم البروتوبلازم مما يؤدي الى حصول الانكماش والتجعد والذي له عوارض خطيرة على سلسلة العمليات الحياتية في الخلية الحية. تتاثر سلامة الاغشية والبروتينات ايضا بعملية التعديل (التجفيف) التي بدورها تؤدي الى حصول الاختلال الوظيفي في العمليات الحياتية.
على الرغم من عدم معرفة مسببات ضرر الاغشية بشكل تام وواضح، فانه من البديهي في الفهم العلمي والمنطقي بان ازالة الماء ستؤدي الى تمزق تركيب الطبقة الثنائية bilayer الاعتيادية وان خطوط القنوات التي يدخل منها الماء ستمتليء بالمجاميع الرئيسة للفوسفولبيدات القطبية. اي بمعنى، ستصبح الاغشية منفذة للسوائل عندما يتم تعديلها. عند حصول التميؤ، ستبقى هذه القنوات تقدم كميات كبيرة من الذائبات النافذة او الراشحة بين الحجرات او من الخلية الى المسافات البينية بين الخلايا، فالشدود ضمن هذه الطبقة الثنائية سيجعل اللبيدات تحل محل بروتينات الاغشية مما يؤدي الى تسرب الذوائب solute leakageوتساهم بالتالي في فقد صفة الانتخابية لهذه الاغشية. على العموم، فان تشقق الاغشية وانفتاح الخلايا على بعضها ثم فقد كفاءتها يعتمد على نشاط انزيمي معين، فضلا عن تلف وتضرر الاغشية الخلوية. اوضحت العديد من الدراسات حصول الفقد في كفاءة العصير الخلوي وبروتينات مكونات الخلية الى الحد الذي يجعلها في غير طبيعتها الحياتية بالكامل عند عودة الظروف الطبيعية من حيث وفرة الماء.
التمثيل الضوئي والشد المائي Photosynthesis and Water Stress
تعد عملية التمثيل الضوئي من العمليات الحساسة للشد المائي، فتتاثر هذه العملية من خلال طريقتين: الاولى، انغلاق الثغور والتاثير على الكلوروبلاست من حيث تجهيز ثاني اوكسيد الكاربون من الغلاف الجوي، والثاني هي التاثيرات المباشرة لانخفاض جهد ماء الخلية وانعكاسه على مكوناتها وسلامة وظائفها الضرورية في استمرار آلية التمثيل الضوئي.
هناك تاثيرات مباشرة لجهد الماء الواطىء داخل الخلية على التمثيل الضوئي اوضحتها الدراسات الموسعة حول البلاستيدات (الكلوروبلاست) المعزوله من اوراق زهرة الشمس (Rao واخرون، 1987). بسبب التأثيرات المباشرة على فعالية التمثيل الضوئي لنقصان ثاني اوكسيد الكربون داخل الكلوروبلاست نتيجة غلق الثغور والتي تبين من الدراسة بان تاثيراتها كانت ثانوية، حيث تبقى نسبة ثاني اوكسيد الكربون داخل الورقة عالية نسبياً. وعليه، فان كل من فعالية نقل الالكترون والتمثيل الضوئي قد انخفضت في الكلوروبلاست المعزول من اوراق زهرة الشمس بجهد مائي اقل من (0.1- ميكاباسكال). هذه التاثيرات انعكست على تقليل الضرر الحاصل في الاغشية وتخليق الطاقة لانزيم البروتين. والاكثر من ذلك، ان تاثيرات التثبيط الناجمة عن انخفاض الجهد المائي قد ازدادت بوساطة التراكيز العالية للمغنيسيوم التي تشبه في تاثيراتها حدوث تميه الاواراق (Rao واخرون، 1987) واكدته دراسة Raven واخرون، (2014).
استجابة الثغور لنقص الماء Stomatal Responses to Water Deficit
غالبا ما تتعرض النباتات الى نقص الماء الحاد بسبب انخفاض الرطوبة النسبية بدرجة كبيرة و/ او نتيجة زيادة درجات الحرارة الناجمة عن حركة الرياح الجافة الدافئة الى البيئة التي يعيش فيها هذا النبات او ذاك. فتكون النتيجة الزيادة الكبيرة في ضغط التبخر الذي يتدرج بين خلايا الاوراق والهواء في المحيط الخارجي فيزداد معدل النتح. ان اي زيادة في ضغط التبخر سوف تؤدي الى تسريع جفاف التربة، وان كتلة الهواء الجاف التي تحيط بالنبات ستؤدي الى سحب الماء من النباتات التي تكون جذورها سطحية.
على العموم، تكون استجابة النبات لنقص الماء الشديد من خلال غلق الثغور لاجل تقليل النتح وفقدان الماء من سطوح الاوراق بالمستوى الذي يسمح باعادة تجهيز نفس المستوى المفقود من الماء وعن طريق الجذور. هذا الحال يلاحظ في كل النباتات على السواء. سواءً كانت النباتات الصحراوية او نباتات المناطق المعتدلة او الجافة، حيث تكون آلية فتح وغلق الثغور معتمدة كليا على الرطوبة النسبية (Mansfield و Alkinson، 1990). يفهم من ذلك بان اي تغيير في محتوى التربة من الماء يرتبط بعملية النتح لا محال، فتعمل الثغور، التي تسيطر على النتح، على توفير آلية لحماية النبات من اي نقص في المحتوى او المخزون المائي: 1) تغلق الثغور بنسبة معينة تعتمد على نسبة نقصان الماء في التربة. 2) تغلق بعض الانواع النباتية ثغورها بالكامل واكثر من غيرها من الانواع النباتية، وخصوصاً عند تطور نقص ماء التربة. 3) ان الثغور في بعض الانواع لا تقوم بعملية النتح حتى بعد ري التربة اي اعادة الترطيب re-watering (Kramer و Sanchez، 1971 و Mansfeld و Meinder، 1968). ربما تختلف هذه المفاهيم نسبياً عند التطرق الى نباتات رباعية الكاربون ( C4) او النباتات العصارية التي تختزن الماء في الاوراق المحورة كما في الصباريات.
لسوء الحظ، في الكثير من الانواع النباتية وخصوصاً المحاصيل الغذائية، تكون خلايا البشرة المحيطة وسطح الخلايا الحارسة غير محمية بطبقة سميكة من الكيوتكل، فيحدث فقد الماء بصورة مباشرة من الخلايا الحارسة الى الغلاف الجوي. فاذا كان معدل كمية الماء المتبخر من سطوح الخلايا الحارسة اكبر من كميته التي تعوضها خلايا الميزوفيل التي تحت خلايا البشرة، فان الخلايا الحارسة ستصبح رخوة flaccid وتغلق الفتحة الثغرية. اي بمعنى ان الخلايا الحارسة تعمل كما لو كانت مقياس اوزموزي اي تنافذي osmometer. يتم تنظيم عملية غلق الثغور بما يسمى بالنشاط الهيدروري hydroactive processes. اي ان العمليات الحياتية لهذا الانغلاق الثغري يعتمد على ويستخدم في الاساس الاشارات الايونية العكسية التي تسبب فتح الثغور. فيحصل التنبيه بغلق الثغور عند انخفاض جهد ماء الورقة في خلايا الميزوفيل فتظهر علامات استخدام حامض الابسيسك ABA والهرمونات الاخرى. فمنذ اكتشاف حامض الابسيسك في اواخر الستينيات، قد عرف ان لهذا الحامض دوراً مهماً في عملية غلق الثغور الناجمة عن نقص الماء. ان تراكم حامض الابسيسك في الاوراق التي تعاني من الشد المائي وكذلك التطبيقات الخارجية لاستخدام حامض الابسيسك كمثبط لعملية فتح الثغور. في دراسة على طفرتين من الطماطة فشلت في تجميع المستوى الطبيعي من حامض الابسيسك، فتعرضتا للذبول بسرعة كبيرة نتيجة نقص الماء. ان الدور المؤكد لحامض الابسيسك في غلق ثغور النباتات المعرضة للاجهاد الرطوبي يصعب كشفه وتاكيده حتى يومنا هذا بسبب ان وجود حامض الابسيسك غالبا ما نجده وبتراكيز عالية في الانسجة غير المعرضة للشد، كما اشارت الدراسات الحديثة الى بدء غلق الثغور قبل حدوث اي زيادة يمكن ملاحظتها في محتوى حامض الابسيسك. في اغلب النباتات المروية جيدا، يتم تخليق حامض الابسيسك في سايتوبلازم خلايا الميزوفيل في الاوراق، ولكن بسبب تدرج الحموضة (الاس الهيدروجيني، pH) بين خلايا الميزوفيل، يتم تجميع حامض الابسيسك وتراكمه في خلايا الكلوروبلاست (الشكل،2). اما عن كيفية تحكم حامض الابسيسك في انتفاخ الخلايا الحارسة، فانها تبقى محدودة، حيث ان الادلة العملية قد اوضحت عدم حاجة حامض الابسيسك الى الدخول الى الخلية الحارسة، لكن ربما يكون موجوداً على السطح الخارجي لغشاء البلازما، كما عرف ان خلايا الميزوفيل التي ترتبط بالروابط او الجسور plasmodesmata، فانه لاتوجد مثل هذه الجسور مع الخلايا الحارسة اي عدم وجود روابط بين الخلايا الحارسة وخلايا الميزوفيل والتي ربما كانت ستسمح بعبور حامض الابسيسك الى الخلايا الحارسة (الشكل، 3). وعليه فان تراكم كميات كبيرة من حامض الابسيسك في الاوراق الذابلة، يعني بان غلق الثغور الذي يبدأ قبل حدوث اي زيادة معنوية في تركيز حامض الابسيسك انما يفسر باطلاق حامض الابسيسك المخزون في الابوبلاست، حيث تحدث عملية غلق الثغور بفترة مبكرة وبكمية كافية من حامض الابسيسك.
وكما هو معروف دور حامض الابسسك، فان دور الهرمونات هو الاخر يكون كبيرا في عملية الاتصال بين الجذور المعرضة للشد المائي والاوراق. في تجارب على محصول الذرة الصفراء، تم الحصول على زيادة في انتاج حامض الابسيسك (Blackman و Davis، 1985)، حيث منعت السايتوكاينينات غلق الثغور.
التعديل الاوزموزي Osmotic Adjustment
هناك استجابة اخرى واضحة للشد المائي في العديد من النباتات هي انخفاض الجهد الاوزموزي الناجم عن تراكم الذوائب، والتي عرفت على انها التعديل الاوزموزي. بينما يتوقع حصول زيادة في تركيز الذوائب والتي تنجم عن عملية التميؤ (الجفاف) dehydration وبالتالي صغر حجم الخلية، فان التعديل الاوزموزي يرجع بالتحديد الى صافي الزيادة في تركيز الذوائب العائد الى العمليات الحياتية التي تتحسس بالشد. ينجم عن التعديل الاوزموزي حصول جهد سلبي اكبر في ماء الورقة، وبذلك يساعد على الاحتفاظ بحركة الماء الى داخل (باتجاه) الورقة وبالتالي ينعكس على انتفاخها.
يتم تجميع الذوائب ببطء خلال عملية التعديل الاوزموزي، وان الانخفاض في مقدار الجهد الاوزموزي انما يعود الى الكمية الصغيرة نسبيا من التعديل الاوزموزي والتي لا تتجاوز ميكاباسكال واحد. وعليه فان دور الذوائب في المحافظة على الانتفاخ تحت جهد مائي واطيء نسبيا يمثل حالة جوهرية من التأقلم للشد المائي. وربما يلعب التعديل الاوزموزي دوراً مهماً في مساعدة الاوراق الذابلة جزئيا لاعادة انتفاخها مباشرة بعد تجهيز الماء (بعد الري). من خلال المساعدة التي تؤدي الى الاحتفاظ بانتفاخ الورقة، فالتعديل الاوزموزي يمكّن النباتات من المحافظة على بقاء الثغور مفتوحة والاستمرار باخذ ثاني اوكسيد الكاربون اللازم لعملية التمثيل الضوئي تحت ظروف الشد المائي المتوسط.
يقصد بالذوائب ضمن مفهوم التعديل الاوزموزي، العديد من الايونات اللاعضوية وخصوصا البوتاسيوم (K+)، السكريات والاحماض الامينية (الشكل، 4). يبدو ان الحامض الاميني المسمى برولين خصوصية واضحة في الحساسية للشد المائي. وعليه، يتم تخليق البرولين من الكلوتامين في اوراق العديد من النباتات. تبين دور البرولين الواضح في العديد من خلايا الطماطة في الزراعة، حيث وضعت الخلايا تحت ظروف شد مائي (اوزموزي) من خلال تعريضها الى تراكيز اوزموزية عالية بوساطة كلايكول متعدد الاثيلين (PEG)، فابدت استجابتها من خلال فقد انتفاخها وتجميع البرولين بسرعة. ومثلما يستمر تجميع البرولين، فان الانتفاخ يعود تدريجيا الى هذه الخلايا (Handa واخرون، 1986). اما بالنسبة للسوربيتول sorbitol والذي يمثل سكر كحولي والبيتين betaine (N,N,N- trimethyl glycine) فهما ذوائب اخرى تتراكم في الخلية مع ظهور علامات الشد المائي. ان اغلب النواتج الكيميائية التي نجدها بحصول التعديل الاوزموزي تؤكد عدم توصيفها بحالة جوهرية تحت ظروف العمليات الحياتية الطبيعية اي بغياب الشد (المائي).
يمكن القول، بانه على الرغم من ان التعديل الاوزموزي هو حالة عامة للاستجابة للشد، الا ان ليست جميع الانواع النباتية قادرة على القيام بهذا التعديل لتراكيز الذوائب في خلاياها. فالبنجر السكري sugerbeet الذي يخلق كميات كبيرة من البيتين ويعد معدل اوزموزي جيد، فانه من جهة اخرى، لا تعد اللوبياء cowpea كمعدل اوزموزي جيد osmotic non adjuster، حيث تعوض ذلك بامتلاكها ثغوراً ذات حساسية عالية فتتجنب الجفاف بغلق ثغورها والمحافظة بالتالي على جهد مائي عالي نسبيا. يفهم من ذلك، بان البنجر السكري له القدرة على الاستمرار بعملية التمثيل الضوئي حتى في ظروف الجهد المائي الواطيء، بينما يعد غلق الثغور في اللوبياء سمة لايقاف التمثيل الضوئي بعد استنفاذ الكاربون المخزون بفترة قصيرة.
تاثير نقص الماء على نمو المجموع الخضري والجذري Effect of Water Deficit on Shoot and Root Growth
ان احد التاثيرات المبكرة والاولية لنقص الماء في حياة النبات هو اختزال او تقليل النمو الخضري، وخصوصا الاوراق التي تكون في العموم حساسة اكثر من الجذور. وفي دراسة على محصول الذرة الصفراء، تبين حصول انخفاض معنوي في تمدد الاوراق واتساعها عندما تجاوز جهد الماء في الانسجة -0.45 ميكاباسكال فحصل تثبيط النمو كلياً عند وصوله الى -0.1 ميكاباسكال. وفي نفس الوقت، حافظ نمو الجذور على وضعه الطبيعي حتى تجاوز جهد الماء في انسجة الجذر ما قيمته -0.85 ميكاباسكال. ولم يكتمل التثبيط الكلي للنمو حتى عند وصول جهد الماء الى -1.4 ميكاباسكال (Westgate و Boyer، 1985). تجدر الاشارة الى ان تقليل اتساع وكبر الاوراق تحت ظروف الجفاف له فائدة كبيرة في تقليل المساحة الورقية وبالتالي تقليل النتح، اي بمعنى ان تربية اصناف الذرة الصفراء المتحملة للجفاف ربما تتطلب ان يكون الشكل المظهري والهندسي للنبات صغيراً.
فضلا عما ذكر من تاثيرات متعددة لنقص الماء سواءاً في عمليات التمثيل الضوئي او العمليات الحياتية الاخرى، فان توسع وكبر الخلايا في الانسجة النباتية عموما يتاثر سلبيا وبدرجة واضحة، على الرغم من حصول التعديل الاوزموزي بكفاءة عالية فيها. وحقيقة الامر، ان التعديل الاوزموزي مهما كان كبيرا وكفوءاً فانه لايكون بالصورة المثلى. اي بمعنى انه لو كانت عملية انتفاخ الخلايا ليست عامل تحكم، فان الاجابة على التساؤل حول كيفية تحديد نقص الماء لتوسع وكبر الخلايا لابد ان يبقى قيد البحث والتمحيص.
تعديل المساحة الورقية Leaf Area Adjustment
من خلال المناقشة السالفة الذكر، كما في العديد من الدراسات والكتب المتخصصة حول كفاءة نمو المجموع الخضري وفعاليته وخصوصاً اوراق النبات، فان العديد من الانواع النباتية، مثالها القطن الذي تم تعريضه لشد الماء قد سرعت من شيخوخة الاوراق القديمة ثم سقوطها وزوالها abscission. وفي حالة القطن، نجد فقط الاوراق الفتية على اعلى الساق هي التي تبقى وتحافظ على اداء الفعاليات الحيوية عندما يكون شد الماء متفاقماً، وهذا ما يصطلح عليه بتعديل المساحة الورقية، وهو ما يمثل آلية اخرى لتقليل المساحة الورقية وبالتالي تقليل النتح في الاوقات التي تكون فيها وفرة الماء محدودة، حيث نجد النبات يحافظ على حيوية البراعم ويبتديء بتكوين اوراق جديدة. وفي مثال اخر على نبات الذرة الصفراء، نجد ان اشتداد ظروف الجفاف تؤدي الى شيخوخة الاوراق التي تحت العرنوص مبتدئة من الاوراق القريبة من سطح الارض، كوسيلة دفاعية لتقليل النتح وعدم ضخ نواتج التمثيل الضوئي الى الاوراق السفلية والتي ربما تكون متطفلة في غذائها على الاوراق العليا من جهة وكونها تفقد الماء بعملية النتح، اكثر مما يؤثر على محتوى النبات الكلي من الماء. ولاينسى ان هناك اليات دفاعية اخرى مثل التفاف الاوراق لتقليل المساحة الورقية المعرضة لأشعة الشمس والرياح بما يؤدي الى تقليل النتح.
ثانياً: الشد الحراري Temperature Stress
ان اختلاف توزيع انواع النباتات في عموم الكرة الارضية ما هو الا انعكاس لاختلاف استجابتها لظروف البيئة، والحرارة منها بوجه خاص. فنجد انواعاً من النباتات في المناطق الباردة فقط ، ونجد غيرها تتوزع في مدى واسع من درجات الحرارة. على العموم، نجد ان كفاءة النمو ونشاطه تختلف حتى ضمن البيئة الواحدة عند اختلاف فصول السنة اي درجات الحرارة، فلكل نوع نباتي درجة حرارة مثلى يكون فيها النمو على اوجه مثلما توجد حدود دنيا وقصوى لدرجات الحرارة تحدد ايقاف او بدء النمو.وعليه فان الحديث لابد ان يكون حول مقاومة الشد البارد وشد الانجماد والشد الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة وكما ياتي:
1- شد البرودة Chilling Stress
تتعرض العديد من النباتات وخصوصاً تلك التي تعيش في ظروف الدفء الى الضرر عندما تمر بها ظروف درجات الحرارة المنخفضة اي الانجماد (Lynch، 1990). ومن امثلتها الذرة الصفراء والطماطة والخيار وفول الصويا والقطن والموز.حيث يكون نموها حساساً عندما تتراوح درجة الحرارة بين 10 و 15 مْ. كما ان نباتات اخرى مثل التفاح والبطاطا والاسبركس تكون حساسة وتتعرض للضرر عندما تتراوح درجة الحرارة بين صفر و 5 مْ، اي فوق درجة الانجماد بقليل.
ومن الحقائق المعروفة، ان ضرر التعرض للبرد يأخذ اشكالاً مختلفة اعتماداُ على النوع النباتي وعمر النبات وفترة التعرض. فتقلل البادرات الصغيرة من نمو واتساع اوراقها وربما يحدث الذبول والاصفرار. وفي حالات التعرض الشديد تتلون النباتات باللون البني ويبدأ موت الانسجة فموت النبات كلياً. وفي بعض النباتات، يكون الطور التكاثري حساساً بدرجة كبيرة لدرجات الحرارة الباردة، مثل الرز، حيث يؤدي الى عدم تفتح المتوك وبالتالي حصول العقم. اي ان اعراض التعرض للبرد تعكس مدى الاختلال الوظيفي في الخلايا والانسجة من خلال عدم سيولة البروتوبلازم وتقليل التنفس والتمثيل الضوئي وتخليق البروتين. يبدو ان هناك توضيحين لاختلاف الاستجابة، فاما ان هناك عدة جوانب للحساسية لدرجات الحرارة الواطئة في النبات او على العكس هناك جانب واحد لهذه الحساسية يؤثر في العمليات الحياتية الحاصلة (Lunch، 1990). ان التفسير الاكثر قبولا في الوقت الحاضر هو ان درجات الحرارة الواطئة تسبب تغيرات عكسية في الحالة الفيزيائية للاغشية الخلوية، حيث اشارت الدراسات الى تغير الخواص الفيزيائية للزيوت (اللبيدات) lipids وبالتالي انعكاس ذلك على وظائف الاغشية. الجدول (2) يوضح دور هذه الزيوت من خلال احماضها الدهنية في اختلاف الحساسية للبرودة.
2- شد الانجماد Freezing stress
يشيع حدوث شد الانجماد مع الاشجار والشجيرات في فصل الشتاء في المناطق المعتدلة الشمالية من الكرة الارضية والمناطق تحت القطبية ومناطق الالب. فنجد احد انواع الاشجار المسمى Laryx dahurica على سبيل المثال يبقى تحت ظروف الانجماد في سيبيريا بدرجة حرارة 65-70 تحت الصفر، في الوقت الذي نجد فيه نباتات اخرى تتعرض الى ضرر معنوي قد يؤدي الى موتها عند وصول درجة الحرارة الى الصفر المئوي او ادنى منه بقليل خلال مرحلة النمو الفعال. اثبتت التجارب بان بادرات الشيلم الشتوي Secale cereale التي تعيش في درجة حرارة ليست اوطأ من 4-5 مْ تحت الصفر، أمكن أقلمته للنمو في درجة حرارة 5 مْ، فتستطيع بادراته العيش في درجة حرارة اوطأ من 28-30 مْ تحت الصفر.
وعليه، فان تحمل الانجماد بمفهوم الزراعة يعد ضروريا ومهما جداً، عندما يكون سقوط الثلوج في اوائل الربيع او نهاية الخريف عاملاً محدداً لنجاح بقاء المحصول. ولاجل فهم قدرة النبات على التأقلم لمثل هذه الظروف فانه من الضروري معرفة كيف واين يحدث الانجماد في النبات اولاً؟ ثم كيف يحدث الضرر ؟. فالمسألة تكمن في تكوين الثلج او الصقيع وليست درجات الحرارة الواطئة. وبالتالي فان الضرر الحاصل هو ضرر انجماد في خلايا النبات. وببساطة، فان البذور المخزونة، والتي يكون محتواها الرطوبي قليلاً يمكنها ان تعيش في ظروف الصفر المئوي دون حدوث ضرر فيها ومثلها فان الخلايا النباتية الجافة تماما يمكن ان تبقى عند تعريضها لتجميد شديد وسريع عند غمسها في النتروجين السائل (-196 مْ)، بسبب ان مائها يتزجج vitrify، اي تصلب بطريقة تختلف عن التجمد الناجم عن انخفاض درجة الحرارة وتجمد الماء دون تكوين بلورات الثلج التي تتمدد وتحدث الضرر الميكانيكي في اغشية الخلية. وعليه، فان من الضروري ان يعود الدفء لها بسرعة لتجنب تكوين البلورات الثلجية لضمان بقائها حية. ان عملية الحفظ في النتروجين السائل تسمى cryogenic storage، وهي شائعة الاستخدام في حفظ الخلايا الفطرية او السائل المنوي لاغراض التعشير والتخصيب insemination. ولاغراض الاستزادة من الموضوع يمكن العودة الى كتاب المدخل في فسلجة النبات لمؤلفه Hopkins (1999).
3- الشد لدرجات الحرارة العالية
ان نمو النباتات في مناطق الصحارى والمناطق شبه الجافة يعرضها لامحال الى ظروف ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن ارتفاع مستوى الاشعاع الشمسي وانخفاض رطوبة الهواء الجوي وارتفاع معدلات النتح وبالتالي انخفاض رطوبة التربة. وعليه، فان مثل هذه البيئات غالبا ما تكون صعبة الدراسة لتحديد عامل محدد واحد في الوقت الذي تتداخل فيه جميع العوامل المشار اليها مجتمعة، مع الاشارة الى ان درجات الحرارة العالية ربما تكون عاملا رئيساً لتحديد الانتاجية ان لم تكن كذلك لاجل العيش والبقاء في مثل هذه المناطق.
ان احدى المشاكل التي يواجهها النبات في مثل هذه الظروف هي شدة الاشعاع الشمسي وما ينجم من حرارة نتيجة امتصاص الاوراق للطاقة، فترتفع درجة حرارة الورقة في النبات بمقدار 5 مْ او اكثر. فالكثير من النباتات تتجنب ارتفاع درجة الحرارة من خلال جعل اوراقها بزاوية حادة او عمودية او التفاف الاوراق حول نفسها او وجود الشعيرات والزغب على سطحها pubescence او وجود الطبقة الشمعية التي تعكس الضوء وبالتالي تقلل الطاقة الممتصة. ان جعل الاوراق صغيرة غائرة التشريح deeply dissected بما يقلل سمك الطبقة الحدية boundary layer الى ادنى ما يمكن ويسمح لها بالتالي تحقيق اكبر فقد ممكن من التسخين بعمليتي التوصيل والحمل الحراري convection. وهنا تجدر الملاحظة بان مثل هذه التحويرات تساعد ايضاً في تقليل نتح الماء والذي يلعب هو الاخر دورا جوهريا في تبديد الحرارة من الاوراق. على العموم، في الوقت الذي عرفت فيه بعض الاشجار والحشائش التي تتحمل درجة الحرارة تى لأكثر من 50 مْ، فأن القليل من النباتات الوعائية تستطيع ابقاء اوراقها تتجاوز مثل هذه الدرجة، بل ان اكثر النباتات الوعائية المعروفة في هذا الخصوص هي النباتات الصبارية، حيث تتحمل درجة حرارة اكثر من 60 مْ (Nobel، 1988). ويبقى التساؤل؟ هل تتداخل العوامل وصفات النبات في تحمل الشد مع انواع الشدود الاخرى؟
ثالثاً: الشد الملحي Salt Stress
ان وجود تركيز ملحي عالي في منطقة الجذور يؤدي الى نقص الماء وحصول السمية الايونية، وعليه، فوجود الاملاح والتعديل الاوزموزي من قبل النبات يلعبان دوراً ريئساً في تحمل البيئات شديدة الملوحة. ربما تختلف تراكيز الايونات اللاعضوية في بيئة النبات بين النقص الواضح والوفرة بافراط، ولكن يبقى موضوع نقص الايونات ممثلا لمشكلة تغذوية، بينما يمثل تواجدها بافراط مشكلة من نوع اخر بسبب ما تعنيه من مشاكل معقدة وعديدة نتيجة الشد الملحي الحاصل، فالمشكلة ليست نتيجة وجود كميات غير محددة من ايوني الصوديوم والكلور، بل تداخلاتها وتعقيداتها في التربة والنبات.
على العموم، هناك مساحات زراعية واسعة قد اهملت وتركت نتيجة ارتفاع مستوى ملوحة التربة (Fittey و Hay، 1987). اما اسباب تملح التربة فهي عديدة ولا مجال لحصرها هنا، بل نكتفي بالقول بان القرب والبعد عن مستوى سطح البحر وخطوط العرض وعلاقتها بسقوط الامطار والري والمناخ (ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات التبخر وارتفاع مناسيب المياه الجوفية و…الخ) كلها عوامل مؤثرة في زيادة او نقصان ملوحة التربة (الشكل، 5).
على الرغم من وجود نباتات عديدة تتحمل ظروف النمو في الاوساط الملحية العالية والتي تسمى Halophytes، فان اغلب نباتات المحاصيل والخضر والفاكهة تصنف ضمن النباتات الحساسة او غير المتحملة للملوحة فتسمى glycophytes ومن ضمنها البقوليات عموماً والرز والذرة الصفراء. ان بعض نباتات هذه المجموعة تتحمل تاثيرات الملوحة بدرجات مختلفة، حيث يكون تحمل الطماطة والقطن والشعير وقصب السكر للملوحة اكبر من سابقاتها، وربما يعد الشعير اكثر المحاصيل الزراعية تحملاً للملوحة (Yeo و Flow، 1989).
يمكن ان يسبب الشد الملحي ضررا في النبات بثلاثة مستويات مختلفة هي:
1- ان التراكيز الملحية العالية وخصوصاً تركيز أيون الصوديوم سوف يغير من تركيب التربة سواءاً من حيث التوصيل الهيدروليكي او التهوية.
2- ارتباط زيادة تركيز الاملاح بحدوث الشد المائي مما يعيق امتصاص العناصر المغذية والماء.
3- حدوث التأثيرات السمية لبعض الايونات وخصوصاً الصوديوم والكلور في نباتات المحاصيل الزراعية المشار اليها آنفا. على الرغم من عدم وجود آلية واضحة لطبيعة الضرر الذي تحدثه هذه العناصر، الا ان زيادة ايون الصوديوم تسبب مشاكل واضراراً في الاغشية وتثبيط الانزيمات او الاخلال الوظيفي للعمليات الحيوية عموماً. ان تاثيرات ايون معين ربما تنعكس في تداخلاتها على جاهزية الايونات الاخرى، مثل العلاقة بين الصوديوم والكالسيوم. وربما تكون علوم الهندسة الوراثية والتقنية الحياتية والوراثة الجزيئية مفتاحاً لحل المعضلات وتفسير ما هو مبهم وغير معروف في السنين القادمة.
رابعاً: الشد الحياتي Biotic Stress
يحدث الشد الحياتي نتيجة حدوث وبائية مرضية او حشرية او حدوث منافسة حياتية من قبل احد الانواع النباتية وخصوصاً نباتات الادغال فتعيق او تضر بدورة نمو المحصول وربما تهدد بقاؤه. وربما لانستطيع هنا تغطية هذا الجانب بشيء من التفصيل، ولكن علوم الامراض والحشرات والادغال قد افرزت جهود العلماء والمختصين ببحوث ومقالات وكتب متخصصة تغني اكثر مما يمكن ذكره هنا.
خامساً: شد التلوث البيئي Environmental Pollutants Stress
على الرغم من ان التاريخ لم يحدثنا عن خطر طبيعي، الا ان التلوث البيئي يعد جديداً نسبياً كأحد انواع الشد التي تواجهها الكائنات الحية بشكل عام والنبات منها بوجه خاص. بدءاً، يعد شد التلوث كيميائياً في طبيعته ويتضمن التاثيرات السمية للعناصر الثقيلة واكاسيد الكاربون والنتروجين والكبريت الملوثة للهواء ونواتجها الكيموضوئية.
ونسمع في عالم اليوم عن التلوث البيئي الذي يمثل تلوث التربة والماء والهواء، ولكن ما هو، وماذا يعني بالضبط مصطلح التلوث؟. يمكن وصف التلوث ببساطة عما يحصل في الهواء، حيث يعرف الهواء كغلاف جوي بانه عديم اللون والرائحة والطعم ويمثل خليط من غازات تحيط الارض. يتكون الهواء مبدئياً من النتروجين والاوكسجين وكميات صغيرة من ثاني اوكسيد الكاربون، مثلما يحوي على غازات اخرى تمثل اكاسيد الكاربون والكبريت والنتروجين. ان العديد من هذه الغازات موجودة بكميات كبيرة في الرماد المتولد من المصادر الطبيعية لتوازن البراكين وحرائق الغابات، مثلما يحتوي الهواء على الغبار (من الصحاري والاراضي المتضررة والهيدروكاربونات العضوية المتطايرة. تتضمن الاخيرة العديد من النواتج الثانوية للنشاط الصناعي واستهلاك الوقود الحجري وبقايا النياتات. تقدم النباتات كميات كبيرة من الاثيلين والكحولات والايزوبرين isoprene واساسها الاحادي التربين ومختلف الهيدروكاربونات الاخرى (Sharker، 1996). تتواجد هذه الملوثات باستمرار، اي دائما في الغلاف الجوي ولكن عادة بتراكيز لاتؤثر عكسياً على النباتات والكائنات الاخرى. وعليه، فان الهواء يصبح ملوثا عندما يزداد تركيز هذه المواد والغازات ويتجاوز الحدود والمستويات التي تؤثر على الكائنات الحية، فتتغير رائحته و/او لونه فيؤثر على بقاء واستمرار هذه الكائنات. وعليه، يفهم ان اسباب ومصادر التلوث على اختلاف انواعه انما هي من فعل وسوء استخدام الانسان، فتجاوزت تراكيزها الحدود المسموح بها خلال العقود القليلة الماضية فاصبحت تؤثر على صحة الانسان والحيوان والزراعة والغابات بشكل معنوي ملموس. ومن هنا يمكن تشخيص نوعين من الملوثات التي تؤثر في حياة النبات هما العناصر الثقيلة في التربة والمياه والغازات السامة في الغلاف الجوي والتفاعلات الكيموضوئية.
من البديهي ان النبات يحتاج الى كميات صغيرة من العناصر المغذية لديمومة نموه وبقاؤه، فيأخذها من التربة بطريقة انتخابية دون غيرها او بتراكيز اكبر مما ياخذه من غيرها من العناصر. ان العديد من العناصر وخصوصاً الثقيلة منها مثل الكادميوم والرصاص والارسينيك تكون ذات سمية عالية، مثلما ان حاجته البسيطة من عناصر النحاس والنيكل والزنك تكون سامة اذا زادت عن حاجته. ولسوء الحظ، فقد شهد القرن العشرين نشاطاً صناعيا سمح بتراكم العناصر الثقيلة في التربة الى الحد الذي اصبحت تشكل مشكلة المشاكل في البيئة. ومثلما هو الحال تاثر النبات بانواع الشدود الانفة الذكر، فان حساسية النباتات تختلف باختلاف انواعها لتراكيز هذه العناصر. العديد من الانواع تنمو بنجاح في الترب الغنية بعناصر مثل الارسنيك والسيلينيوم والنيكل والكروم والكادميوم وغيرها، وربما تطرح من الجذور بسبب القابلية الانتخابية لاغشية خلايا الجذر كاسلوب من اساليب التجنب، وانواع نباتية اخرى تجمع هذه العناصر الى المستويات المميتة، فتسمى الانواع المجمعة او المراكمة accumulator species ويمثل قسم منها (الذي لايموت) تحملا حقيقيا للتلوث ومنها بعض انواع Astragalus من العائلة البقولية وغيره من العوائل الصليبية التي لها القدرة على تجميع السلينيوم بنسبة اكثر من 10% من الوزن الجاف للبذور. هناك انواع اخرى تجمع النيكل من الترب الغنية به فتحتوي ما يزيد عن 1000 مايكروغرام لكل غرام من الوزن الجاف مقارنة بالتركيز الطبيعي الذي لايتجاوز 0.05 مايكروغرام نيكل لكل غرام وزن جاف وغيرها يتعامل مع الزنك او الرصاص بما يزيد عن عشرة الاف مايكروغرام لكل غرام وزن جاف (Peterson، 1993). وربما لاتهمنا هنا آلية تحمل النبات لهذه المستويات العالية، بل ما نريد معرفته في هذا الخصوص انها حصيلة عدم السمية الناجمة عن توليف العناصر السامة مع جزيء عضوي.
اهم المصادر:
Fitter, A. H. and R. K. M. Hay. 1987. “Environmental Physiology of Plants” 2nd ed. New York. Acad. Press.
Gaff, D. F. 2000. Desiccation tolerant vascular plants of southern Africa. Oecologia 31:95-109.
Grime, J. P. 1979. Plant Strategies and Vegetation Processes. Chichester: Wiley.
Handa,S.; A. T. Handa; P. M. Hasegawa; and R. A. Bressen. 1986. Proline accumulation and the adaptation of cultured plant cells to stress. Plant Physiol. 80:938-945.
Jones, H. G. and M. B. Jones. 1989. Introduction: some terminology and common mechanisms. In: H. G. Jones; T. J. Flowers and M. B, Jones (eds.), “Plant Under Stress. Cambridge: Cambridge Univ. Press, Pp. 1-10.
Levitt, J. 1972. “Responses of Plants to Environment Stress” New York: Acad Press.
Lynch, D. V. 1990. Chilling injury in plants: the relevance of membrane lipids. In: F. Katterman (ed.), “Environment Injury to Plants”, NY. Acad. Press, Pp. 17-34.
Mansfield, T. A. and C. J. Altkinson. 1990. Stomatal behavior in water stressed plants. In: R. G. Alscher and J. R. Cumming (eds.), “Stress Responses in Plants: Adaptation and Acclimation Mechanisms”. NY. Wiley-liss, Pp. 241-264.
Nobel, P. S. 1988. “Environmental Biology of Agaves and Cacti.” Cambridge: Cambridge Univ, Press.
Peterson, P. J. 1993. Plant adaptation to environmental stress: metal pollutant tolerance. In: L. Fowden; T. Mansfield; and J. Stoddart (eds.), “Plant Adaptation to Environmental Stress”. London: Chapman and Hall, Pp. 171-188.
Rao, I. M.; R. E. Sharp and J. S. Boyer. 1987. Leaf magnesium alters photosynthetic response to low water potentials in sunflower. Plant Physiol. 84:1214-1219.
Raven, J. A.; J. Beardall; and M. Giordano. 2014. Energy costs of carbon dioxide concentrating mechanisms in aquatic organisms, Photosynth. Res. 121: 111- 124.
Sharkey, T. D, 1996. Emission of low molecular mass hydrocarbons from plants. Trends in plant Science 1: 78-82.
Turner, N. C. and P. J. Kramer. 1980. “Adaptation of Plants to Water and High Temperature Stress” NY. Wiley.
Wastgate, M. E. and J. S. Boyer. 1985. Osmotic adjustment and inhibition of leaf, root, stem and silk growth at low water potential in maize. Planta 164: 540-549.
Yeo, A. R. and T. J. Flow. 1989. Selection for physiological characters- examples from breeding for salt tolerance In: H. G. Jones; T.J. Flowers and M. B. Jones (eds.), “Plants under Stress. Biochemistry, Physiology and Ecology and Their Application to Plant Improvement. Cambridge, Cambridge Univ. Press.