مرض اصفرار القمم (أو الاخضرار) على القوارص/الحمضيات: مرض بكتيري خطير يهدد قوارص بلادنا وكل المنطقة المتوسطية
د. بوزيد نصراوي، أستاذ جامعي/المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس
جامعة قرطاج، تونس
يوجد في كثير من أنحاء العالم مرض بكتيري يصيب القوارص، تتسبب فيه بكتيريا من جنس ‘Candidatus Liberibacter‘ وهو مرض خطير جدا وتصعب مكافحته. ولئن عُرف هذا المرض في ما مضى بمرض الاخضرار (Greening)، فإنه تم تقريبا التخلّي على هذه التسمية لأنها لا تعكس تماما الأعراض التي يتسبب فيها هذا المرض. فالأعراض التي تميّز هذا المرض هي (1) اصفرار قمم الفروع العليا للشجرة، (2) وظهور بقع متبرقشة على الأوراق، وكذلك (3) اصفرار معكوس على الثمرة حيث يبدأ اصفرارها من قاعدتها المشدودة بالساق وليس من قمتها كما هو في الحالة العادية عند نضوج الثمرة. وبما أن هذا المرض عُرف أولا في الصين وخاصة بأعراض اصفرار القمم، فإنه سُمّي واشتهر بتسميته الصينية ثم اعتُمدت هذه التسمية رسميا منذ سنة 1995 عند المختصين وهي “هوانغ-لونغ-بينغ” (Huang-Long-Bing: HLB) وهو ما يترجم بمرض اصفرار القمم (Yellow Shoot Disease)، ويمكن إذا أردنا اختصاره بالعربية بكلمة “هلب” (HLB) مسايرة لما هو شائع عند أغلب علماء العالم.
تم الانتباه إلى هذا المرض على القوارص في الصين منذ سنة 1956 حيث اعتُبر أنه مرض فيروسي، ولكن تبيّن في ما بعد (سنة 1984) أنه ناتج عن بكتيريا، وتمّ تشخيص أنواعها نهائيا عن طريق التقنيات الجزيئية خلال سنتيْ 1994 و 1997 وهما نوعيْ ‘Candidatus Liberibacter africanus‘ و ‘Candidatus Liberibacter asiaticus‘ وكذلك سنة 2005 نوع ‘Candidatus Liberibacter americanus‘. وتعيش هذه الأنواع البكتيرية الثلاثة (الإفريقية والآسيوية والأمريكية) في النبتة العائلة داخل الأوعية اللحائية، بعد أن تنقلها حشرة تتغذى على أشجار القوارص. وباعتبار أن هذه البكتيريا داخلية، وليست خارجية كبكتيريا اللفحة النارية مثلا، فهي تنتشر داخل الشجرة في الأوعية اللحائية ولا يمكن في هذه الحالة القيام بأية عملية علاجية مهما كان نوعها (المداواة، قص الفروع،…) لأن ذلك لا ينفع في شيء، وليس هناك من حل سوى قص وحرق الأشجار المصابة بأكملها، والقيام بتدخلات وقائية فقط، علما وأنه لا يوجد حاليا أي صنف مقاوم لهذا المرض في العالم. وقد بينت التجربة في الصين (بمنطقة “بيهاي”) أن بستانا من القوارص مصاب بنسبة 7%، تصبح إصابته كاملة (100%) خلال 5 سنوات فقط إذا لم يقع القيام بعمل وقائي.
أما بالنسبة إلى طريقة إصابة أشجار القوارص بهذه البكتيريا، فهي إما باستعمال حامل الطعم المصاب أو الطعم المصاب نفسه منذ البداية أو عن طريق نوعين من حشرات البسيلا التي تعيش على الشجرة. وهذه الحشرات الناقلة هي نوعان: البسيلا الإفريقية (Trioza erytreae) وهي تنقل طبيعيا البكتيريا الإفريقية والبسيلا الآسيوية (Diaphorina citri) وهي تنقل طبيعيا البكتيريا الآسيوية والأمريكية، ولكن تجريبيا في المخبر، يمكن لهذين النوعين من حشرات البسيلا أن تنقل جميع الأنواع الثلاثة من البكتريات المذكورة.
وإذا تأملنا في خارطة انتشار مرض الاخضرار على القوارص في العالم، نجد أن البكتيريا الإفريقية متواجدة على كامل الساحل الإفريقي الشرقي من جنوب إفريقيا إلى أثيوبيا، وكذلك منطقة صغيرة غرب إفريقيا في الكمرون والزائير. أما البكتيريا الآسيوية فهي تنتشر تقريبا في جميع المناطق الجنوبية للقارة الآسيوية. ومن سوء الحظ، يتواجد هذان النوعان من البكتيريا معا في المنطقة الجنوبية الغربية للجزيرة العربية (في اليمن والمملكة العربية السعودية) وكذلك في شمال أثيوبيا. وفي القارة الأمريكية وخاصة منها مناطق فلوريدا بالولايات المتحدة ومناطق أخرى بالبرازيل، يتواجد نوعان من البكتيريا وهما الأمريكية والآسيوية. وبالنسبة إلى حشرات البسيلا الناقلة للبكتيريا، فهي متواجدة في جميع المناطق التي يوجد فيها مرض الاخضرار، ولكن أيضا في مناطق أخرى لم يصلها بعد المرض، وأقربها بالنسبة إلى المنطقة المتوسطية هي جزر الكناري الإسبانية (غرب المغرب الأقصى)، حيث تتواجد فيها البسيلا الإفريقية منذ سنة 2002، ولكن الأخطر من ذلك أنه تم اكتشاف وجودها في شهر أوت 2014 بمنطقة بونتوفيدرا (Pontevedra) ثم بعد ذلك بمنطقة كورونيا (Coruna) وكلاهما بإقليم غاليسيا (Galicia) شمال غرب إسبانيا. كما تم العثور على هذه الحشرة خلال شهر جانفي 2015 في شمال البرتغال بمنطقة بورتو (Porto) ومنها تسربت إلى بقية المناطق الساحلية للشمال البرتغالي. وهذا الوضع ينذر بانتشار قادم لناقل المرض داخل إسبانيا والبرتغال ومنهما إلى مناطق جنوب أوروبا وكذلك إلى مناطق شمال إفريقيا مثل ما حصل مع اللفحة النارية سنة 2006 وسوسة النخيل الحمراء سنة 2008 حيث عبرت هاتان الآفتان من إسبانيا إلى المغرب. بعد ذلك، الاحتمال الكبير والمؤكد هو أن يتسرب ناقل المرض (وهي حشرة طائرة) إلى بقية البلدان المغاربية ومنها تونس مثل ما كان الحال مع حافرة الطماطم التي عبرت من إسبانيا إلى المغرب سنة 2007 ووصلت إلى تونس، عبر الجزائر، في أواخر سنة 2008. ولا يخفى على أحد أن وصول ناقل المرض وانتشاره في بلادنا سيؤدي حتما، آجلا أو عاجلا، إلى دخول مرض الاخضرار بنفسه إلى بلادنا وربما يقع ذلك في وقت أسرع مما نتصوره.
لذلك، يجب على وزارة الفلاحة أن تأخذ هذا التهديد الخطير مأخذ الجد وأن تتهيأ له بكل ما لديها من إمكانيات حتى تتمكن من تخفيض وقع هذا المرض على قوارصنا إلى أدنى حد ممكن عند ظهوره – لا قدر الله – وتجنب بذلك بلادنا كارثة هي في غنى عنها.