بحوث علميةمقالات علميةالبيئة و الحياة

المخاطر والخسائر الناجمة عن التلوث السموم بالفطرية

 د.عدي نجم اسماعيل, استاذ مساعد, قسم وقاية النبات, كلية الزراعة, جامعة بغداد/العراق.
,Oadi77@yahoo.com / odaimatny@coagri.uobaghdad.edu.iq

يطلق على منتجات الأيض الثانوي الناتجة من الفطريات السامة بالسموم الفطرية Mycotoxins, السموم الفطرية هو أي منتج ثانوي سام ناتج عن عمليات الأيض

Dr.Odai Najem Ismail

الثانوي للفطريات, وله المقدرة على إحداث آثار ضارة على الكائنات الحية (إنسان, حيوان, نبات) عند أبتلاع أو إستنشاق، أو التعرض (الملامسة) لهذه المركبات. تنتج السموم الفطرية من قبل الفطريات المنتجة لها في كثير من الأحيان عندما يتعرض الفطر المنتج للسم الى ظروف غير ملائمة أو المنافسة على الغذاء والمكان. يطلق على مجموعة السموم الناتجة من النباتات السامة بالـ Phytotoxins, أما السموم الناتجة من الحيوانات يطلق عليها Zootoxin, أما مركبات الأيض الثانوي السامة للكائنات الحية الدقيقة فيطلق عليها مصطلح المضادات الحيوية Antibiotics. إن الحالة أو الاعراض المرضية التي تظهر على الانسان أو الحيوان الناتجة عن تناول أغذية ملوثة بالسموم الفطرية يطلق عليها Mycotoxicoses. معظم السموم الفطرية عبارة عن مركبات هيدروكاربونية حلقية (Aromatic hydrocarbon), ونادرا ما تكون ذات سلاسل مفتوحة (Aliphatic hydrocarbon). كما أن وزنها الجزيئي يتراوح بين 97-710 دالتون, ونتيجة لأنخفاض وزنها الجزيئي, لذا تعتبر مقاومة للظروف البيئية القاسية (مستقرة), بالأضافة الى إنها غير أنتجينية, أي بمعنى إنها لا تملك المقدرة على تحفيز الجهاز المناعي للأنسان أو الحيوان لأنتاج الأجسام المضادة ضد هذه السموم. تنتج السموم الفطرية أما داخل جسم الفطر ويطلق عليها في مثل هذة الحالة Endotoxin, أو يفرز الفطر السم خارج الجسم في الوسط النامي فيه الفطر ويطلق عليه في مثل هذه الحالة Exotoxin. نتيجة للزيادة المضطردة للسكان, لذا بات من الضروري زيادة الانتاج للحاصلات الزراعية بشكل مكثف وعمليات تصنيع وحفظ الأغذية لتوفير وسد الطلب للأحتياج العالمي من الغذاء, هذا أدى بالنتيجة الى زيادة أحتمالية مخاطر تلوث الغذاء بالسموم الفطرية.

تقسم مركبات الأيض الثانوي المنتجة من قبل الفطريات الى خمسة مجاميع حسب المسارات الأيضية الى:
1- الأيض المشتق من سكر الكلوكوز, ويشمل بعض أنواع السكريات المعقدة والببتيدات السكرية والكحولات السكرية وغيرها.
2- الكيتيدات المتعددة Polyketides والفينولات المشتقة من تفاعلات Acetyl-CoA في مسار Acetate-Malonate في تخليق الاحماض الدهنية.
3- التربينات المشتقة من تفاعلات Acetyl-CoA في مسار Mevalonic acid.
4- الفينولات المشتقة من مسار Shikimic acid في تصنيع الأحماض الأمينية العطرية.
5- مختلف مسارات تصنيع الأحماض الأمينية الأخرى.

 لمحه تاريخية
يركز علم السموم الفطرية في الأصل على الآثار الصحية لتناول الفطريات اللحمية السامة والفطريات المجهرية النامية على المواد الغذائية المعدة كغذاء للأنسان والأعلاف الحيوانية. تحضى السموم الفطرية اهمية كبيرة في الأونة الاخيرة بسبب المشاكل التي تحدثها على صحة الانسان والحيوان, بهذا مهد الطريق للمزيد من العمل والدراسات للكشف عن هذه السموم وسبل تحطيمها بالوسائل الأمينة.

أستعراضت الأدبيات الكوارث التي حدثت عبر التاريخ نتيجة لمشاكل السموم الفطرية. فقد سجل التسمم الأركوتي أو حريق سانت انتوني St. Anthony’s fire كما تطلق علية المصادر التاريخية في إشارة إلى الرهبان الذين إعتنوا بضحايا حالة التسمم، وكذلك الأعراض الناتجة عن التسمم والتي تتمثل بأعراض تشبه الحروق الشديدة في الأطراف. التسمم الأركوتي واحدة من أقدم الامراض عرف وسجل كمرض ناتج عن تناول غذاء ملوث بالاجسام الحجرية لفطر الأركوت. في عام 430 قبل الميلاد ذكرت السجلات عن حالات تسمم في أفراد جنود الجيش الأسبارطي في إثينا, كما ظهرت نفس الأعراض المرضية عام 1093م حالات تسمم مشابة لحالة مرض سانت أنتوني. في فرنسا 1673م. إرتبط هذا المرض مع إستهلاك الحبوب المصابة والملوثة بالأجسام الحجرية المنتجة من الفطر Claviceps purpurea. مؤخرا وضعت منظمة إدارة الأغذية والعقاقير الدولية قيودا ورقابة صارمة على مستويات قلويد الاركوتين المسبب لهذا المرض في طحين المعد للأستهلاك البشري. كما سجلت حالة التسمم Stachybotryotoxicosis لأول مرة في اوكرانيا عام 1930 ناتجة عن عفن Stachybotrys chartarum كما اشارت المصادر نتيجة تغذية الخيول على قش مصاب بالفطر chartarum S., إذ أثبتت نتائج التحليل أحتوائه على سموم الـترايكوثسين. الأعراض شملت تهيج الفم والأنف وقنوات الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، وغالبا ما يموت الحيوان في غضون 24 ساعة.

ظهر مرض في روسيا خلال الحرب العالمية الثانية سبب نقص أو تسمم كريات الدم البيض (ATA) Alimentary Toxic Aleukia المتسبب عن أحد سموم الترايكوثسينات وهو T2-Toxin, اذ ان 10٪ من السكان القرية والماشية التي تعرضت لهذا السم ظهرت عليها أعراض المرض, والتي غالبا ما أدت الى الموت. يتسبب هذا المرض عن تناول الحبوب المصابة بالفطر Fusarium poae وsporotrichioides F., تتضمن الأعراض نزف تحت الجلد وإنخفاض في عدد كريات الدم البيض وتعطل في عمل الأعضاء الداخلية للجسم.

سم الأفلاتوكسين يعتبر الأكثر شهرة من بين كل السموم الفطرية، وهو وأحد من أكثر المركبات المسببة للسرطان منتجة من أصل طبيعي. انتشر في عام 1952 تسمم ناتج عن استهلاك ذرة صفراء متعفنة من قبل الخنازير المعدة للتربية في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1960، أطلق علية X-Disease (المرض الغامض) الذي أدى الى موت 100،000 من أفراخ طيور الديكة الرومية في إنكلتره. تنتج سموم الأفلاتوكسين من قبل الفطر Aspergillus flavus وA. parasiticus وA. nomius. تمتاز أعراض التسمم الناتج عن تناول غذاء ملوث بسموم الأفلاتوكسين بفقدان الشهية والخمول، وضعف العضلات ونزف وتنخر الكبد وأحقان الكلى وسرطان الكبد.

مرض الرز الأصفر أو كما يطلق عليه kakke Shoshin كان سائدا في اليابان خلال فترة الحرب الصينية اليابانية وبعد الحرب العالمية الثانية. يتسبب المرض عن أستهلاك الرز المصاب بالفطر Penicillium citreoviride الذي ينتج سم الـ Citreoviridin, حيث تضمنت الأعراض الشلل، ضرر في الأوعية الدموية القلبية وفشل في الجهاز التنفسي.

التسمم الناتج عن الأوكراتوكسين أرتبط ظهوره في دول البلقان, إذ تمثلت الأعراض في إعتلال الكلية، وأمراض الكلى القاتلة للشباب الذين يعيشون بالقرب من نهر الدانوب. الأوكراتوكسين سم كلوي قوي ويعتبر أيضا من السموم الكبدية. في عام 1920 إنتشر المرض أيضا في الدنيمارك في الخنازير التي تعد حساسة لهذا السم. الفطر Penicillium verrucosum وA.ochraceus , هما المسؤولان عن إنتاج السم في محاصيل الحبوب والفاصوليا المجففة و فستق الحقل وحبوب البن الأخضر والقش. تشير التقديرات إلى أن معظم لحوم الخنزير المنتجة في أوربا ملوثة بكميات ضئيلة من سم الأوكراتوكسين، وان الفطر verrucosum P. هو الأكثر إنتشارا في المناطق الشمالية الباردة.

تشير العديد من المصادر أن هناك ما يربو عن 1500000 نوع فطري تنتج حوالي 3000000 من مركبات الأيض الثانوي, منها 30000 له علاقة بالسموم الفطرية, الا ان المعروف من السموم الفطرية ما يقرب من 500 سم فطري.

الخسائر الناجمة عن السموم الفطرية

ترافق الحبوب والمنتجات المخزونة العديد من الكائنات الحية الدقيقة كالفطريات والخمائر والبكتريا, حيث تتضاعف عند توفر الظروف الملائمة لنموها, مسببة تلف للمواد المخزنة, الذي بدوره يسبب خفض في نوعية المنتج, إضافة الى التغيرات الكيمياوية الحاصلة في المنتج. تلعب الفطريات دورا خطيرا خاصة خلال عمليات التخزين مقارنة مع الأحياء الدقيقة الاخرى. السموم الفطرية لها آثار أقتصادية كبيرة في العديد من المحاصيل الزراعية، خاصة القمح والذرة الصفراء وفستق الحقل والجوز وبذور القطن والشاي. اذ ان 25٪ من إنتاج محاصيل العالم هو ملوث بمركبات السموم الفطرية, مع خسائر سنوية تبلغ حوالي 1 مليار طن متري من الأغذية والمنتجات الغذائية سنويا الغير صالحة للأستهلاك حسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة الأمريكية.

يقدر اجمالي الخسائر السنوية الناتجة من تلوث الأغذية بالسموم الفطرية لعام 2003 من 0.5- 1.5 مليار دولار ناتج عن التلوث بسم الأفلاتوكسين لمحصول الذرة الصفراء وفستق الحقل, وسم الفيومونوزين لمحصول الذرة الصفراء وسم الـ DON لمحصول القمح, بحسب تقدير مجلس العلوم والتكنولوجيا الزراعية (CAST) في الولايات المتحدة الأمريكية. ولاجل ذلك وضعت العديد من البرامج الأدارة والاستثمار في مجال البحوث من قبل الحكومة الفدرالية الأمريكية، لمنع او تقليل من التلوث الناتج عن السموم الفطرية في المحاصيل الزراعية ومنتجاتها، اذ أن لوزارة الزراعة الأمريكية مركز خدمة البحوث الزراعية (ARS) يدعم برنامج البحوث في مجال السموم الفطرية بقيمة 17.7 مليون دولار مخصصة لـ 60 باحث فقط خلال السنة المالية لعام 2000.

كما إن تلوث المحصول بالسموم الفطرية بتراكيز معينة محددة من قبل منظمة الغذاء والعقاقير (FDA) يخفض من قيمتها التسويقية, إذ أن كمية سم الافلاتوكسين المسموح بتواجدها في المحاصيل الزراعية في الولايات المتحدة الأمريكية 20 جزء بالبليون, وفي الأتحاد الأوربي 2 جزء بالبليون. تقدر الخسائر لسنة 2001 الناتجة عن تلوث محصول فستق الحقل بسم الافلأتوكسين بحوالي 25 مليون دولار ومحصول القطن 4.3 مليون دولار والذرة الصفراء 15 مليون دولار والمكسرات 37 مليون دولار, أما التلوث الناتج عن سم الـ DON لمحصول الشعير 400 مليون دولار ولمحصول القمح مليار دولار سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية. كما قدرت الخسائر الناجمة عن السموم الفطرية في ثلاثة بلدان آسيوية (إندونيسيا، والفلبين، وتايلند) حوالي 900 مليون دولار سنويا, أما مجموع الخسائر الناجمة عن السموم الفطرية في المحاصيل الزراعية في أمريكا وكندا بحوالي 5 مليون دولار سنويا.

بصفة عامّة تصل السموم الفطرية إلى طعام الإنسان والحيوان عن طريق تلوث الغذاء بالفطر الذي ينتج هذه السموم، إذ تشجع المادة الغذائية نمو الفطر سواء أثناء مراحل الإنتاج المختلفة أو أثناء نقلها أو في فترة التخزين.
مجمل الخسائر الأقتصادية الناجمة عن التلوث بالسموم الفطرية وأضرار الأحياء المجهرية تتمثل بما يلي:

  • خسائر ناجمة عن الأصابة بالفطريات الممرضة للنبات والمنتجة للسموم الفطرية, إذ تنخفض القيمة التسويقية للمحاصيل الزراعية الملوثة بالسموم الفطرية والتي تعد ملوثات يصعب إزالتها وبالتالي عدم صلاحيتها للأستهلاك البشري والحيواني.
  • أنخفاض حيوية البذور ونسبة الأنبات بسبب إصابة الجنين بالفطريات, وهذا يؤدي الى تأخر في عملية البزوغ الحقلي للبادرات, مما يعطي فرصة أكبر للمهاجمة من قبل فطريات التربة.
  • أنخفاض القيمة التغذوية والتصنيعية للمواد المخزونة, إضافة الى فقدان الوزن بسبب هدم المكونات الأساسية كتحلل النشويات أو البروتينات, مما ينتج أرتفاع نسبة الأحماض الدهنية المسؤولة عن عملية التزنخ.
  • خسائر في الإنتاج الحيواني ذات صلة بالمشاكل الصحية أو أحيانا الموت نتيجة التلوث بالسموم الفطرية, إضافة الى تأثيراتها الممرضة العديدة كحالات الأورام السرطانية في الكبد وتليف الكبد Neurotoxin أو تأثيرها على الأعصاب أو القصور الكلوي Nephrosis أو التسمم الجلديDermotoxin .
  • تكتسب المواد المخزنة كالحبوب المصابة رائحة ولونا غير مرغوب بهما كأسوداد أجنة الحبوب أو الحبة بالكامل مما يقلل من قيمتها الأقتصادية.
  • تكاليف صحية للإنسان ناجمة عن الأمراض المختلفة التي تسببها السموم الفطرية.
  • تكاليف الإدارة على جميع المستويات للمحاصيل الزراعية للوقاية من السموم الفطرية.
  • تكاليف بحثية في مجال دراسة تأثيرات السموم الفطرية في الإنسان والحيوان والنبات وكيفية معالجتها.

 طرق التعرض للتسمم بالسموم الفطرية
هناك العديد من طرق التعرض لحالات التسمم بمركبات السموم الفطرية والتي تؤدي الى مجموعة من التأثيرات الصحية السلبية على الإنسان والحيوان. وتكون حالات التسمم بصورة التعرض المباشر عن طريق الملامسة المباشرة مع الجلد أو الأستنشاق أو الأستهلاك المباشر لغذاء ملوث بالسموم الفطرية, أو غير مباشر من خلال إستهلاك منتجات حيوانية تكون ملوثة بمتبقيات السموم الفطرية أو مشتقاتها كالحليب أو البيض أو اللحم للحيوانات التي تغذت سابقا على أعلاف ملوثة بالسموم الفطرية.

ويمكن ايجاز طرق التعرض للسموم الفطرية بالنقاط التالية:
1- التغذي على الأنواع السامة مع العراهين كالـ Amanita spp وغيرها.
2- إستهلاك غذاء سواء كان منتجا نباتيا أو حيوانيا ملوث بالسموم الفطرية, مثل الحبوب الملوثة بسموم الأفلاتوكسينات او الحليب الملوث بسم الـ AFM1 وغيرها.
3- إستنشاق الأبواغ الفطرية للفطريات السامة قد يؤدي الى ظهور حالات مرضية كالحساسية , مثل أبواغ الفطر A. fumigates.
4- التعرض المباشر للفطريات السامة أو مركباتها السامة والتي تؤدي الى حالات طفح جلدي أو حكة, كسموم الترايكوثسينات التي تسبب طفح جلدي أو تقرحات نتيجة التلامس المباشر مع الجلد.

المصادر:
 مطني, عدي نجم. 2014. السموم الفطرية: النظرية و المفهوم العام. مطبعة السيماء, العراق- بغداد. ص 283.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع محمي بواسطة reCAPTCHA و Googleسياسة الخصوصيةوشروط الاستخدام تنطبق.

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى